ماذا فعل هذا الملحد ؟ عكف في اليوم نفسه على قراءة القرآن ، إلى أن وصل إلى قوله تعالى :
[ سورة يونس : الآية 92]
قال : هذا غلط ، واتصل بصديقه موريس بوكاي في فرنسا ، وقال له : تفضل ، تقول : إن الكتب المقدسة لا يوجد بها أخطاء ، هذا القرآن ، قال له : هذا فرعون الذي ذكره الله عز وجل أنا رممت جثته بنفسي موجود حتى الآن ، وآثار الملح في فمه ، وكل الدلائل تؤكد أنه مات غرقاً .
الآن جفري لنك ، هذا الأستاذ الملحد ، أكبر داعية في أمريكا إسلامي ، هذه الفتاة لم تنطق بكلمة ، لكن حجابها دعوة .
أنا أؤكد لكم أيها الإخوة الكرام ، حجاب الفتاة دعوة ، صدقك دعوة ، أمانتك دعوة ، عفتك دعوة ، لطفك دعوة ، إنصافك دعوة ، عدلك دعوة ، المؤمن أكبر داعية دون أن يشعر ، صادق ، إن حدثك فهو صادق ، إن عاملك فهو أمين ، إن استثيرت شهوته فهو عفيف ، لا يتورط :
[ سورة يوسف : الآية 23]
لذلك أحب الطائعين ، و حبي للشاب الطائع أشد ، فرق كبير ، زعيم قريش أبو سفيان فيما تروي بعض الروايات أنه وقف بباب عمر ساعات ، ولم يؤذن له ، و هذا زعيم قريش أكبر شخصية في قريش ، الذي آلمه أن صهيباً وبلالاً يدخلان ، و يخرجان بلا استئذان ، فلم دخل عليه قال له : يا أمير المؤمنين ، زعيم قريش يقف في بابك ساعات طوالاً ، وبلال وصهيب يدخلان بلا استئذان ، فقال له كلمتان ، قال له : أنت مثلهما ؟
فلذلك شاب نشأ في طاعة الله ، و قال بعض علماء القلوب : " من لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة " .
أحب الطائعين ، و حبي للشاب الطائع أشد ، أحب الكرماء ، وحبي للفقير الكريم أشد ، المؤمن الفقير زرته ، عنده أربع برتقالات ، يضعها في صحن ، تفضل ، يدعوك إلى الطعام الذي عنده ، المؤمن لا يبخل بماله أبداً ، والله يوجد إخوة كرام دخله لا يكفيه أسبوعين ، له صديق أخ في الله فَقَدَ عمله ، أعطاه نصف ما عنده ، أعرف و الله إخوة إذا زاروا أخاً لهم ، وعلموا أنه لا يملك شيئاً من المال إن ذهب ليأتي بالماء وضعوا في جيبه المال دون أن يشعر ، لأنه عفيف جداً .
وأحب الكرماء ، وحبي للفقير الكريم أشد ، حدثني أخ عمل لي ورقة الأسبوع الماضي أن طفلاً في الجامع معه مئة ليرة ، يبدو من مقتنياته سمع عن صندوق العافية فصرفها ، ودفع خمسين ليرة ، هذه الخمسون يمكن أن تسبق عشرة آلاف ليرة عند الله : هكذا قال عليه الصلاة و السلام ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ... )) .
[النسائي]
ودرهم تنفقه في حياتك خير من مئة ألف درهم ينفق بعد مماتك ، متى تشعر بقيمة الإنفاق ؟ وأنت شاب ، هذه الألف ليرة لها معنى ، أما شخص معه احتشاء ، ومعه جلطة ، ومعه خمسون مرضًا ، وهو بالفراش ، الألف لا قيمة لها ، المال كله لم يعد له قيمة ، يجب أن تنفق وأنت صحيح شحيح ، المال يفعل معك كل شيء ، أحب الطائعين ، و حبي للشاب الطائع أشد ، أحب الكرماء ، وحبي للفقير الكريم أشد ، وأحب المتواضعين ، و حبي للغني المتواضع أشد .
و الله أيها الإخوة الكرام ، يوجد أغنياء مؤمنون تشتهي الغنى من تواضعهم ، ومن سخائهم ، ومن حبهم للناس ، ومن أعمالهم التي لا تعد ولا تحصى .
أنا ـ والله ـ أعجب أشد العجب من إنسان معه وسائل أن يصل إلى أعلى مراتب الجنة ، ويبخل ، كل واشرب ، واسكن في بيت ، واقتنِ الحاجات الأساسية أنت وأهلك ، وهذا الفائض الكبير يمكن أن تصل به إلى أعلى درجات الجنة ، لكنك لا تفعل .
معقول يا إخواننا من شخص أمضى حياته في العلم ، أربعون سنة في طلب العلم ، قال له : بمَ نلت هذا المقام ؟ سليمان بن عبد الملك قال لعطاء بن أبي رباح ، فقال له : باستغنائي عن دنيا الناس ، وحاجتهم إلى علمي الذي قطعت له أربعين عاماً .
يأتي إنسان غني بماله فقط يساوي العالم ؟ هكذا النبي قال ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ ، رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ ، وَ آنَاءَ النَّهَارِ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَ آنَاءَ النَّهَارِ )) .
[البخاري]
كنت مرة في لبنان ، رجل محسن كبير طبيب ترك مستشفيات ومصحات ودور عجزة ودور للمعاقين ، ولبنان كلها تلهج باسمه ، وتوفي ، وتولت الأوقاف إدارة هذه المؤسسات الكبيرة ، هذا الذي يبقى .
فلذلك أيها الإخوة الكرام ، وأحب المتواضعين ، و حبي للغني المتواضع أشد ، وأبغض ثلاثاً ، وبغضي لثلاث أشد ، أبغض العصاة ، و بغضي للشيخ العاصي أشد ، أي مراهق في الستين ، ليس من المعقول ، تجد شخصاً سخيفاً يبالغ بالزينة ، تزين ، وتجمل ، لكن يوجد وضع معقول ، أما المبالغة بالزينة ، وكأن الجنس إلهه يعبده من دون الله ، وأبغض ثلاثاً ، و بغضي لثلاث أشد ، أبغض العصاة ، و بغضي للشيخ العاصي أشد .
(( ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، شَيْخٌ زَانٍ ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ )) .
وأبغض ثلاثاً ، وبغضي لثلاث أشد ، أبغض العصاة ، وبغضي للشيخ العاصي أشد ، وأبغض المتكبرين ، وبغضي للفقير المتكبر أشد ، ما عنده شيء لا يتكلم معه ، تجد شخصاً لا يملك علماً ، و لا فهماً ، و لا مالاً ، و لا شيء ، وهو متكبر ، شيء لا يحتمل ، قد يتكبر إنسان ، و هو يتربع على ثروة كبيرة جداً ، الأمر اختلط عنده ، قد يتكبر الإنسان ، وهو يحتل منصباً رفيعاً جداً ، قد يتكبر الإنسان ، و معه أعلى شهادة باختصاص نادر ، نوعاً ما مقبول ، أما لا علم ، و لا فهم ، و لا حكمة ، و لا مال ، و لا شيء ، و مع ذلك متكبر .
وأبغض المتكبرين ، و بغضي للفقير المتكبر أشد ، الآن ، و أبغض البخلاء ، و بغضي للغني البخيل أشد ، غني يدفع المبالغ الطائلة دون أن يشعر .
والله مرة رجل محسن كبير شفاه الله الآن مريض ، أراد أن يبني مسجداً في منطقة لا يوجد بها مساجد ، و كلف أحد إخواننا أن يشتري أرضاً ، والأرض اشتراها مناسبة ، مساحتها مناسبة ، و شكلها مناسب ، و اتجاهها مناسب ، و جاء هذا المحسن الكبير ليرى الأرض ميدانياً ، والسعر مناسب ، قال له : ثلاثة ونصف مليون ، فوقع شيك بمليونين ، أعطاه لصاحب الأرض ، صاحب الأرض آذن بالمدرسة ، ورثها من شهر ، عنده ثمانية أولاد ، دخله أربعة آلاف ، فقير جداً ، لكن ورث هذه الأرض من شهر ، فلعل الله ينفعه بثمنها ، فقال له : ثلاثة ونصف ، هذان مليونان اثنان ، أين التتمة ؟ قال له : التتمة عند التنازل ، قال له : ما التنازل ؟ قال له : هذه الأرض سوف يبنى عليها مسجد ، فحينما تذهب إلى الأوقاف ، و تكتب تنازلاً عندئذ نعطيك التتمة ، قال له : مسجداً ! فأخذ الشيك ، و مزقه ، قال له : و الله أستحي من الله أن أبيع أرضاً لتكون مسجداً ، أنا أولى منك أن أقدمها لله عز وجل .
يقول هذا الغني المحسن : و الله ما صغرت في حياتي أمام إنسان كما صغرت أمام هذا الفقير ، كيف أنه استحيا من الله أن يبيع أرضاً تكون في النهاية مسجداً ؟!
والآن المسجد قائم ، ومئذنته أعلى مئذنة في المنطقة .
وأبغض ثلاثاً ، و بغضي لثلاث أشد ، أبغض البخلاء و بغضي للغني البخيل أشد .
أيها الإخوة الكرام ، طبعاً هذا الكلام مستوحى من هذا الحديث الصحيح : (( ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، شَيْخٌ زَانٍ ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ )) .
عائل أي فقير .
و الحمد لله رب العالمين