التكرار في سورة " الكافرون"
القول الثاني : وهو أن نسلم حصول التكرار ، وعلى هذا القول العذر عنه من ثلاثة أوجه
الأول : أن التكرير يفيد التوكيد وكلما كانت الحاجة إلى التأكيد أشد كان التكرير أحسن ، ولا موضع أحوج إلى التأكيد من هذا الموضع ، لأن أولئك الكفار رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى مرارا ، وسكت رسول الله عن الجواب ، فوقع في قلوبهم أنه عليه السلام قد مال إلى دينهم بعض الميل ، فلا جرم دعت الحاجة إلى التأكيد والتكرير في هذا النفي والإبطال.
الوجه الثاني : أنه كان القرآن ينزل شيئا بعد شيء ، وآية بعد آية جوابا عما يسألون فالمشركون قالوا : استلم بعد آلهتنا حتى نؤمن بإلهك فأنزل الله : { ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد } ثم قالوا بعد مدة تعبد آلهتنا شهرا ونعبد إلهك شهرا فانزل الله :
{ ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد }
ولما كان هذا الذي ذكرناه محتملا لم يكن التكرار على هذا الوجه مضرا ألبتة.
الوجه الثالث : أن الكفار ذكروا تلك الكلمة مرتين تعبد آلهتنا شهرا ونعبد إلهك شهرا وتعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة فأتى الجواب على التكرير على وفق قولهم وهو ضرب من التهكم فإن من كرر الكلمة الواحدة لغرض فاسد يجازي بدفع تلك الكلمة على سبيل التكرار استخفافا به واستحقارا